كأس الـعالـم واقتصاد العالـم

كأس الـعالـم واقتصاد العالـم

  • calendar 28 ديسمبر 2022
  • user جيم أونيل

انطلقت بطولة كأس العالم الثانية والعشرين، ولكن من كان ليتصور في بداية هذا القرن أن هذه البطولة قد تستضيفها دولة قطر؟ مع ذلك، ها نحن ذا، والمفاجأة الوحيدة هي أن الأمر لا يبدو مفاجئًا إلى هذا الحد.

خلال جزء كبير من مسيرتي المهنية، استكشفت الروابط بين هذه اللعبة الجميلة والاقتصاد العالمي. في جولدمان ساكس، وقبل ذلك في بنك سويسرا، أطلقت العنان لهوسي المزدوج بالإشراف على مطبوعات خاصة تُـنـشَـر لمرة واحدة لكل من بطولات كأس العالم من عام 1994 إلى عام 2010.

بعد نشر إحداها تلقيت رسائل شخصية من كبار القائمين على البنوك المركزية حول العالم. أخبرني بعضهم أنها أفضل مطبوعة أنتجناها، وكان ذلك مسليًا ويستحق التأمل، نظرًا لمدى تكرار نشرنا حول الأحداث الاقتصادية والأسواق. أقنعنا قادة وطنيين وشخصيات كبيرة في عالَـم كرة القدم بالكتابة لنا كضيوف، وفي إحدى المناسبات، اختار أليكس فيرجسون، مدير نادي مانشستر يونايتد الأسطوري، أعضاء أفضل فريق في العالم على الإطلاق.

وتمكنت حتى الآن من حضور ست من بطولات كأس العالم لكرة القدم، استضافتها الولايات المتحدة، وفرنسا، وكوريا الجنوبية واليابان، وألمانيا، وجنوب إفريقيا، والبرازيل، ومن خلال هذه التجارب، أستطيع أن أضم صوتي إلى أولئك الذين وصفوا الحدث بأنه أحد أكثر الاجتماعات شمولًا وجمالًا لعدد كبير من الجنسيات والثقافات المختلفة. وقد جَـسَّـدَ ظهور مناطق المشجعين، التي انطلقت حقًا بعد بطولة كأس العالم في ألمانيا عام 2006، هذه الروح، وإن كنت عايشتها بقوة في سول عام 2002.

ويتضح الرابط بين كرة القدم وحالة الاقتصاد العالمي في اختيار الدول المضيفة للبطولة، وأظن أنها حقيقة لا سبيل لإنكارها أن اختيار الفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) لدولة جنوب إفريقيا في عام 2010، والبرازيل في عام 2014، وروسيا في عام 2018، والآن قطر، كان مستندًا إلى الصعود المطرد لما يسمى الاقتصادات الناشئة خلال العقدين الأولين من هذا القرن.

لطالما اعتقدت أن دولتي مجموعة البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا) الأخرين ربما تنضم إلى المجموعة الصغيرة من الدول المضيفة في المستقبل، ولكن نظرًا لتحول العديد من الدول الكبرى إلى الداخل في السنوات الأخيرة، فهل أصبحت أيام الرغبة في استضافة الحدث معدودة؟ هل تواجه بلدان الأسواق الناشئة الطموحة صعوبة متزايدة في تنظيم البطولة الأكثر مشاهدة في العالم بنجاح؟ أو على العكس من ذلك، هل يعود العالم قريبا إلى نظام دولي أكثر إقناعا، وعولمة، وشمولية؟ قد يتبادر إلى الذهن سؤال أكثر عمقا: هل يُـعَـد الفيفا مؤشرًا رائدًا أو متأخرا لاقتصاد العالم ودرجة العولمة؟ أظن أن كيفية تقدم المنافسة على مدار الأسابيع الأربعة المقبلة، والأهم من ذلك كم عدد من يشاهدون المباريات، ربما يكون أوضح العلامات المبكرة على الأهمية الأوسع لبطولة كأس العالم هذا العام.

كانت هذه المسابقة العمود الفقري لإيرادات الفيفا. وهناك حديث بالفعل -ربما يكون مدفوعا برغبة الأندية المحترفة في الحصول على عائدات أقوى- عن تحول البطولة إلى حدث يُـقام كل عامين، أو استكمال صيغة السنوات الأربع الحالية بمسابقة بين الأندية تُـقام كل أربع سنوات.

إذا كان مستقبل الاقتصاد العالمي مختلف تماما عن السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة، فسوف ينعكس هذا في عملية صنع القرار في الفيفا.

من الصعب أن نتخيل تحمس الفيفا لعقد مسابقات المستقبل في بلدان الأسواق الناشئة، إذا كانت هذه البلدان تساهم بدرجة أقل في نمو الاقتصاد العالمي مقارنة بالبلدان المستضيفة للبطولة منذ عام 2010.

في ثمانينيات القرن العشرين، وتسعينيات القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وخلال الفترة من 2011 إلى 2020، كان متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي، 3.3%، و3.3% و3.9%، و3.7% على التوالي.

من الواضح أن التسارع في العقدين الكاملين الأخيرين كان راجعًا إلى النمو الأقوى في العالم الناشئ، ومتزامنا مع فترة حيث بدأ الفيفا اختيار الدول المضيفة من خارج معاقل كرة القدم التقليدية، ويبدو الأمر حاليا وكأن هذا الاتجاه قد ينقلب في الاتجاه الآخر هذا العقد، حتى برغم أن ثماني سنوات لا تزال متبقية منه. وماذا عن الفائزين هذه المرة؟ تعلمت من خلال شعبية المنشورات التي أنتجتها في الماضي أن أمتنع عن الذهاب إلى ما هو أبعد من توقع الفرق الأربعة المتأهلة لنصف النهائي.

أحد الأسباب وراء هذا هو أن الواقعية ذاتها التي يتعين على المرء أن يتعامل بها مع التوقعات الاقتصادية ينطبق على بطولة كأس العالم أيضا؛ يتمثل سبب آخر في أن قادة البلدان التي لم نرشحها للفوز لم تستقبل الأمر استقبالا طيبا.

أبدأ هنا بالتاريخ. فازت ثماني دول فقط بكأس العالم لكرة القدم. والبرازيل، التي فازت بالكأس خمس مرات، من المرشحات المفضلات دائما، ويبدو أن فريق البرازيل هذا العام واحد من أقوى الفرق في البطولة.

وكانت الأرجنتين، وأوروجواي، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وإنجلترا الدول الفائزة السابقة الأخرى. وحتى على الرغم من فشل إيطاليا في التأهل هذه المرة، فمن المرجح أن يكون الفريق الفائز من إحدى هذه الدول الأخرى.

في إحدى السنوات، ستفوز إنجلترا بالبطولة مرة أخرى، ولكن من السهل أن يكون الفريق الفائز من إحدى الدول الفائزة السابقة. وبين بقية الدول، تتجاوز الدنمارك وهولندا والبرتغال عادة وزنها الاقتصادي والسكاني، بصرف النظر عن الفائز، سوف أراقب الإشارات بكافة أشكالها حول المستقبل - تماما كما كنت أفعل دائما.

جيم أونيل وزير الخزانة البريطاني السابق، وعضو في لجنة عموم أوروبا للصحة والتنمية المستدامة.

*هذه المقالة منشورة في جريدة عمان بتاريخ 28 ديسمبر 2022

مقالات شائعة

lines
article
قرار جديد بشأن جذب مقار الشركات العالمية للسعودية
  • calendar Jan 09
  • user .

في إطار سعي المملكة العربية السعودية، إلى أن تكون مقراً لكبرى الشركات العالمية والعلامات التجارية، و...

المزيد
article
المضاربة في التجارة
  • calendar Jan 16
  • user .

المضاربة في التجارة هي إحدى طرق الاستثمار على المدى الطويل حيث يلتقي فيها أصحاب المال مع أصحاب الخبر...

المزيد
article
أكبر صفقة في تاريخ كرة القدم
  • calendar Feb 20
  • user الوقف

يتسابق المستثمرون للحصول على أحد أقدم أندية كرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز، في صفقة تعتبر الأ...

المزيد